لَيْسَ العِلَة فِي العِمامَةِ التِي
ارتَداها ألحَجاريوَإنمَا العِلَةُ فِي الناسِ إذا مَا لَمْ يَعرفوا
السَلام (أكْثَرُ
الناس لاَ يَعرفُونَ مَا مَعنَى السَلام) (السَلامُ
وَرَدَّهُ هُما تَعظِيمانُ لِحَقِ الإسْلام)
أمَّا الآياتُ التِي هِيَّ
دَلالَةُ مَوضُوعَنا تَدِلُ عَلى اللهِ هُوَ السَلامُ فِي أحَد أسْمائِهِ الحُسْنَى,,
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى مُصَدَقاً
قَوْل إبراهِيمَ قُرآناً حِينَ قالَ لَهُ عَمُهُ آزَر (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ
تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)(سُورة مَريَم:46) (قَالَ)
إبْراهِيمُ لِعَمِهِ (سَلَامٌ
عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)(سُورَة مَريم
آية:47)
فِي هذِهِ
الآية دَلِيلٌ شَرْطِيٌ عَلى جَوازِ الدُعاء مِنْ خِلالِ السَلام, فَحَمَلَ إبراهِيمُ دُعاءَهُ عَلى اسْتِغفارِهِ
لِذنُوبِ عَمِهِ آزَر مُشْتَرِطاً لِتَوبَتِهِ كَمَا تَرَدَدَت نَصائِحَهُ وَنواهِيَهُ
عَليهِ أنْ يَرتَدَ عَن الكُفرِ وَالشِركِ باللهِ, وَالمُرادُ بالسَلامِ عَلى عَمِهِ والإسْتغفارُ لَهُ اشْتِراط
الإيمان أنْ يَسْلِم وَجْهَهُ
لِلَّهِ كَما يُؤْمِر الدِين بالصَلاةِ وَيُراد اشْتِراط الوضُوء, لأنَ الصَلاةَ
لاَ تُقبَل إلاَّ بالوضُوءِ مَعاً, وَهذا جائِزٌ فِي دِينِ إبراهِيمَ وَمُحَمَد أنْ يُؤَدِيَان
تَحِيَتَهُما عَلى جَوازِ الدُعاءِ عَلى المُشْركِين لإسْتِغفارِ ذِنُوبِهِم
كَونِهِم لَمْ يَعرِفُوا السَلام هُوَ الإسْلامُ واللهُ هُوَ السَلامُ بِعَكْسِ المُسْلِم المُحَمدِي
الذِي يَعرفُ السَلام وَيُطَرِفَهُ عَنْ لِسانِهِ بَعِيداً عَنْ الاسْتِهداءِ بِهِ,
كَذلِكَ نَحنُ
لا نُسَلِم عَلى مَن لاَ يَرُد عَلَينا السَلام فِي دِينِنا كَمِثلِهِ أوْ
يُحسِنَهُ بِرَدٍّ أفضَل مِنهُ لأنَهُ كانَ يَعرِفُ السَلام, وَإلاَّ يُعتَبَر السَلام سَلامُ السُخْريَة يُعَبِر أهانَت البادِئ بِرَّدِ
الجاهِل عَليه بَعدَ أنْ اسْتَهانَ المُتعَمِدُ بالسَلام, كَما قالَ رَسُول
الله (لاَ تَأذنُوا لِمَنْ لَمْ يَبْدأ بالسَلام)
يَعنِي البادِئُ كَالرّاد وِبِعَكْسِهِ إذا
تَوافَقا,,
مِثالاً: عِندَما أرَدِدُ تَحِيَةِ الإسْلام
عَلى مَّن كانَ أعرِفَهُ وَلَم أعرِفَهُ: وأقول (سَلامٌ
عَليكُم ورَحمَة الله) فَكانَ الكَثِيرُ مِنهُم
يَرِّدُونَ السَلام بِجَهلٍ وَيَقُول (هَلَو عَينِي) وَالثانِي يَزدادَ جَهْلاً مَصحُوباً بِجَهْلِ صاحِبِهِ الأوَل فَيَرِد السَلام
عَلَيً (هَلا مَعلانِي)
وَالثالِثُ يَصِيبَهُ عَمَهاً مِنْ كُلاهِما فَيَرِدُ
السَلام (هَلا أغاتِي) والرابِعُ يَحمِلُ رَد السَلام عَلى صِفَةِ
السَيدِيَةِ قائِلاً (هَلاَ مَوْلاتِي) والخامِسُ سَكْرانٌ بَلا خَمْرٍ يَرِّدُ
عَلَيَّ السَلام بِغَمْزِ الحاجِبَين وَالسادِسُ كَأنَهُ أسْتَحسَنَ قَوْلاً
أفضَلَ مِنَ المُتَطفِلينَ وَلكِنَهُ لا يُنصِف الإسْلام بالتَسلِيم فَرَّدَ عَليَّ
السَلام (هَلا بالشَيْخ)
هذا السَلامُ
لَيْسَ السَلام الذِي شَرَعَهُ اللهَ لِلمُسلِمينَ دُونَ اليَهُود: بَل هُوَ إثمٌ
وَإنكارُ لِتَشِبهِهِم بغَيرِ المُسْلِمِين، إمَا أنْ يَكُونُوا مُتَهاونِينَ أمْ جُهْلاء فَكِلاهُما
مَذمُوم, لأنَ الجَهْلَ أهْوَنُ مِنَ التَهاوِن إذا عُلِّمَ بالخَطأِ لاَ يَسِيرُ
فِيهِ، لَكِنَ البلاءَ بالتَهاوَنِ هُوَ الخِزْيُ
فِي أشَدِ العَذابِ, كَما قالَ رَبُكَ فِي التَنزيلِ
الحَكِيم (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا
كُنْتُمْ تَقُولُونَ)(سُورَة الأنعام آية: 93)
يا أيُها
المُتَهاوِنُ بالسَلام أُصْحِي عَلى نَفسِكَ وَلاَ تَكُنْ مُتكَبِراً أأنتَ أفضَلُ
الناسَ أمْ الله الذِي يَقُول بِتَحِيَتِه (سَلَامٌ
عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)(سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)(سَلَامٌ عَلَى مُوسَى
وَهَارُونَ)(سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) وَأخِيراً
أخَصَ اللهُ السَلامَ عِبادَهُ دُونَ الجُهَلاءِ وَقال (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)
فَلاَ
يَتَناسى المَرْء عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الذَنبِ لأَنَهُ لَيْسَ شَيءٌ أَيْسَرَ
عَليهِ مِن غَيْرهِ، وَمَعناهُ أَنَ البَعثَ أَهْوَنُ
عَلَيهِ مِنْ إنْشائِهِ لأَنَهُ يُقاسِي فِي النَّشْءِ مَا لاَ يُقاسِيه فِي
الإعادَةِ والبَعث وَمِثلُ ذلِكَ قََوْل الشاعِر لَعَمْرُكَ ما أَدْري، وَإني لأَوْجَلُ، عَلى أَيِّنا تَعْدُو
المَنِيَّةُ أَوَّلُ,,
وَنَحنُ قد
أُمِرْنا بأداءِ السَلام بِمُخالَفةِ اليَهُود الذِينَ هُم يَحسِدُونَنَا عَلى تَحِيَتِنا
المُحَمدِيَةِ فآدَمُ عَليهِ
السَلام هُوَ أوَلُ مَنْ تَلَفظَ التحِيََّة الإسْلامِيَة
عَلى المَلائِكَةِ، وَمُحَمَد صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ جَعَلَها شِعاراً
لأُمَتِهِ تَمْيِّيزاً عَن باقِي الأمُمِ حَتى قالَ (مَا
حَسَدَكُم اليَهُود عَلى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُم عَلى السَلامِ
وَالتَأمِينِ) فِي الحَياة,
وَأنتُم تَفرِطُونَ فِي السَلامِ بِكَلِماتٍ مَا أنزَلَ اللهُ بِها مِنْ
سُلْطانٍ, هذِهِ كَلِماتٌ جَوْفاءَ لا ثَوابَ فِيها وَلاَ
طائِلَ مِن وَرائِها, وَلاَ أمَلَ فِي خَيْرِها
نْطَقُوها هؤلاءِ السِتَةَ الشَراذِم الذِينَ انتَشَرَت
كَلِماتَهُم فِي الأرضِ عَدْواً لآخرينَ بَعدُ أنْ بالَ بأفواهِهِم الشَيطان
أرادُوا تَدمِير تَحِيَة الإسْلام فَجَعلُوها فِي ألسِنَتِهِم خَفيفَة المَعنى
قَلِيَلة اللَفظ وَإنْ اضْطَرُوا جَعَلُوها أقلُ مِنْ ذلِك يُؤدُونَ التَحِيَةَ
بَينَهُم بِإشارَةِ الأيَدِي إذا أرادَ أحَدَهُم أنْ
يُحَيِّي بِتَحِيَةٍ رَفعَ يَدَهُ مُكَشِر فَمَهُ صامِتاً بَلاَ
تَرَدُد,,
أسألَكُم
باللهِ أنا كَرَجُلِ دِينٍ كَيفَ أردُّ السَلام عَلى هـذا وَأمْثال مِثلُ هذا, هَلْ
أردُ التَحِيَةَ بِمِثلِ ما كَشَرَ لِي فَمَهُ أمْ بِأفضَلِ مَا حَيّانِي أزيدُ
لَهُ فَتحُ فَمِي حَتى تُبان أضْراسِي كَذِئبٍ عَوَّى مِثلَهُ,,
أيا
لِِلأسَفِ هؤلاءِ قوْم سُذَجاً لاَ يَدركُونَ مَا مَعنَى (السَلامُ) لَمَّا كانَ اسْماً مِنْ أسْماءِ
اللهِ تَعالى اسْتَغنِيَّ بذِكْرِهِ مُطْلَقاً عَنِ الإضافَةِ إلى المُسَمَى
لِعِبادِهِ رَحمَةً تُلاحِقُها البَرَكَةُ لَهُم دُونَ غَيْرِهِم,,
2ــ
يُشَرَعُ أداء السَلام
اسْتِحباباً وَتَحمِيلَهُ لَفظاً وَعَلى المُبَلَغ أنْ
يَردَّ السَلام وجُوباً بِمِثلِهِ أوْ بأحسَن كَما أمَرَ اللهُ بِهِ وَقال (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ
رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)(سُورَة النِساء
آيَة:86)
لاَ فرْق
بَيْنَ الرَجُلِ والمَرأةِ بأداءِ تَحِيَة الإسْلام فَهِيَّ واحِدَةُ
اللَفظ, فَلِلمَرأةِ أنْ
تُؤدِي التَحيَة بَينَ النِساءِ جَمْعاً وَبينَ الرِجال الأجانِب فَرْداً إذا أمَنَت الفِتنَة أوْ مَا اقتَضَت الحاجَة
مِنهُ, وَلاَ يَحِقُ لَها مُصافَحَةِ أيْدِي الرِجال
إلاَّ المَحارم وَهذا يَختَِلفُ
باختِلافِ النِساءِ وَالأحوالِ والمَواقِفِ والمَواضِع فلَيْسَتُ الشابَةُ
كَالعجُوز,,
فَتَحِيَّةُ
الإسْلام هِيَّ تَحِيَّةُ أهْل الجَنَّة فَعَليكُم الإكثارُ مِنها,,
قالَ
رَسُول اللهِ صَلى الله عَليهِ وآلِهِ (لا تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا
أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)
أنَ السَلامَ
فِي القُرآنِ الكَريم عَلى أوْجِهٍ فَسْتُأنِفَ مِنهُ تَحيَة الإسْلام: لَمَّا
أقول: السَلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبرَكاتُه,,
الحِكْمَةُ
فِي اقتِرانِ الرَحمَةِ والبَرَكَةِ أثناءَ السَلام فِيها
جَوابٌ,,
فَعَلِمْنا أنَ الإنسانَ لا سَبيلَ لَهُ بانتِفاعِهِ الحَياة
إلاَ بثلاثَةٍ؟؟
أوَلاً: يُريد سَلامَتَهُ مِنْ كُلِ شَرِ وَما
يُضاد حَياتَهُ فِي رِزقِه, والثاني يَطمَع بِحِصُول الخَيْر لَهُ قَبلَ غَيرِه، والثالِث يُريد إثبات دَوامَهُ بِسَلامَةٍ,
فَإنْ أرادَ الثَلاثُ بِذلِك فَعَليهِ أنْ يَكْمِلَ انتِفاعَهُ بالحَياةِ مِن خِلالِ
تَأدِيَتِهِ تَحِيَة الإسْلام وَهِيَ تَحِيَة الله لأهْلِ الجَنَة وَقال
(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى
الدَّارِ)(سُورَة الرَعد آية:24) وَمِن هذهِ الآيَة قَد
شُرِعَت التَحِيَة فِي دارِ الدُنيا عَلى دارِ الآخِرَة مُتَضَمِنَةً لِلثلاثَةِ، فقوْلَهُ تَعالى (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) يَتَضَمَنُ السَلامَةَ
مِنَ الشَّرِ فِي دارِ الدُنيا (بِمَا صَبَرْتُمْ)
عَلى مَشاقََتِها وَآفاتِها,,
أمَا
قَوْلُكَ بِتَكِمِلَةِ السَلام (وَرَحمَةُ اللهِ)
يَتَضَمَنُ لَكَ وَلِلمُسَلِم عَليهِ حِصُول الخَيرَ كُلَه فإنْ
أكْمَلتَ السَلام بِقَولِكَ (وَبَرَكاتُه) يَتَضَمَنُ دَوامُكَ وَثَباتُكَ، وَدوامُ المُسَلِم عَليهِ وَثباتَهُ
كَمَا هُوَ مُوضُوع لَفظ البَرَكَة فِي السَلام هِيَّ النَماءُ تَجْعَل لَكَ ولِغَيرِكَ كَثيرُ
الخَيْر واسْتِمرارَهُ الدائِم فِي الحَياةِ المُتَضَمِنَة لِكُلِ المَطالِب, فَإذا
كانَت تَحِيَة الإسْلام تُؤدِي لَكَ مَطالِبُكَ وُكُلُ المَطالِب دُونَها وَسائِل
تُرادِفَها فَمَا بالُكَ بِعَدَم أسْباب تَحصِيلها فِي عَدَمِكَ قَصْر لَفظِ
التَحِيَة,,
وَاعلَم أنَ
السَلام الذِي تُؤَدِيه مُسْتَلزِمٌ لَكَ السَلامَة
وَالأمان, وأنَ شِمُولَ الرَحمَة
فِي التَحِيَةِ مُسْتَلْزِمَة لِحِصُولِ الخَيرَ كُلَهُ, والبَرَكَة فِي السَلامِ
تُؤدِي لَكَ الطَمَأنِينَة وَراحَت البال والنَفس التَي ضَمَنَتها السَلامَة مِنْ
خِلال السَلام الذِي لاَ حَياةَ وَلاَ فَلاحَ إلاَّ بِهِ لَكَ ولِهذا أرادَ اللهُ
عَزَ وَجَل فَضلُ هذِهِ التَحية وَكَمالُها عَلى سائِر تَحياتِ الأمُمِ السابِقَةِ
قَبلَ الإسْلام,,
((حُكْمُ
السَلام))
السَلامُ
سُنَة مُؤَكَدة, وَرَدَهُ واجِباً عَيناً إذا رَدَّهُ شَخصٌ فَهُوَ كِفائِي عَنْ
الجَميعِ، فإنْ رَدَهُ الجَمِيع فَهُوَ أفضْلٌ,,
تَعريفُ
السَلام: أشْتَقَهُ الله مِنْ مَحاسِنِ الإسْلامِ
وَكَمالِهِ مُضِيء الدَّرب لِعِبادِهِ بِنُورِ مُحَمَدٍ وَآلِهِ الطَيبِينَ, كَمَا
أنَ السَلام مُسْتَصحِباً وَمُندَرجاً مَعَ الصَلَواتِ عَلى مُحَمدٍ وَآلِ مُحَمدٍ
كَمَا جاءَ ذِكْرَهُ قُرآناً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(سُورَة
الأحزاب آية:56)
يَعِنِي: صَلاةُ الله لَيْسَتُ الثَناءَ عَلى
نَبِيِهِ كَثَنائِنا عَلى اللهِ وَإنَمَا ثَناءَهُ جَلَّ وَعلاَ بِالرَحمَةِ
عَليه, وَصَلاةُ المَلائِكَة الدُعاءَ لَهُ اخْتَصَ مِنْ
مَزيدِ الفَخامَةِ والكَرامَةِ وَعلُوِّ القَدْر, كَمَا
نَحنُ نَحمِلُ صَلاة الله ومَلائِكَته عَلى النَبِِي وَآلِهِ عَلى المَعنَى الواحِد
اللائِق بهِ كَإظهارِ شَرَفِهِ وَتَعظِيم شَأنِهِ والتَبَرِك بِشَخْصِهِ الذِي
نُسِخَ مِنْ شَرَفِ رِسالَتِهِ الخاتِمَة التِي تَعُم أهْل بَيتِه, والآيَةُ دَلِيلٌ عَلى وجُوبِ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ علَى النَبِي
مُطْلَقان مِنْ غَيْرِ تَعَرُضِ لِوجُوبِ تِكْرارٍ وعَدَمِه كَمَا نَحنُ نُسَلِم
عَلى النَبِيِّ وجُوباً انفِرادِياً دُونَ أهْلِ بيْتِهِ فِي رِكْنِ الصَلاةِ عِندَ
التَسلِيم بَعدَ التَشْهِيدِ وَنَقُول (السَلامُ عَليكَ
أيُها النَبِيُ وَرَحمَة اللهِ وَبرَكاتُه)
فإذا كانَت
تَحِيَة الإسْلام فَرْعٌ مِنْ فِرُوعِ الإسْلام فمَا ظَنُكَ بِسائِرِ مَحاسِنِ
الإسْلام الذِي يَرْتَكِز عَلى اسْمِ اللهِ (السَلام) فالسَلامُ الواحِد فِيهِ الفَضْل
يَعِمُ أُمَةً عِندَ اللِقاءِ, فأكْثـُر مِنَ السَلام عَلى مَنْ تَعرِفَهُ وَمَنْ
لَمْ تَعرِفَهُ, السَلامُ وَضَعَهُ الله لِنَزْعِ الحَسَد وَالبَغضاءِ مِنَ بَيْن
أفرادِ العِباد ويُثَبِت جِذُور المَحَبَةَ والألْفَةَ لأنَهُ اسْم الله السَلام
يُذكَر عَلى الأعمالِ الصالِحَةِ تَوَقُعاً لاجْتِماعِ مَعانِي الخَيرات
فِيها, وانتِفاء عَوارض الفسادِ عَنها, وَإبعاد الشَهواتِ
وَالطُرَهاتِ مِنها,,
فَتَحِيَةُ
الإسْلام تُزيد الحَسَنات, وَتَمْحُو السَيئات, وَتَجلِبُ المَغفِرَة, وَتُوْسِعُ الرَحمات وَدِخُول أوْسَع الجَنات,
كَمَالَ رَبُكَ (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ)(سُورة النَحل آية: 32) وَفِي آيَةٍ أخرى
قالَ رَبُكَ (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ
رَحِيمٍ)(سُورَة يس آيَة:58)
هذِهِ الآيَة
تُشِيرُ بِأنَ أصْحابَ الجَنةَ قَد يَنزل عَلَيهِم
سَلام اللهِ تَعالى عَلى لِسانِ
مَلائِكَتِهِ يَقُولُونَ لَهُم هذا سَلامٌ قوْلاً صادراً
مِنْ رَبِّ رَحِيم, فَهُم فِي هذا اليَوْم مَشْغُولُونَ
بمَا هُم فِيهِ مِنْ نَعِيمٍ، مُعجَبُونَ بهِ فَرِحُونَ مُتَحابُونَ بَينَهُم
وَمَعَ أزْواجِهم مَسرُورينَ فِي ظِلالٍ مُكَثَفٍ سابِغِ الثَمَر الدائِم,
مُتَكِئِينَ عَلى سُرِرٍ مُزيَنةٍ, وَلهُم فِي الجَنةِ فاكِهَةٌ مِن كُلِّ أنواعِها
وَفِيها يَِطلِبُونَ وَكُلُ مَا يَشْتَهُون, وَلَهُم فِيها بَقاءٌ بَلاَ فَناءٍ،
وَغُنىً بَلا فقـْرٍ، وَعِزٌ بَلاً ذلٍ، وَصِحَةٌ بَلاَ سَقَمٍ,,
3ـ السَلامُ الذِي لاَ
يَمْتَثِلُ الدُعاء هُوَ ارتِكابُ الخَطأ فِي عادَةِ الناس الجاريَة بَيْنَهُم أنْ
يُحَيِّي بَعضَهُم بَعضاً خاصَةً لَهُم عِندَ لِقائِهِم، وَهذا مَشهُودٌ فِي الفُرْسِ والعَرب المُسْلِمِين لَهُم فِي تَحِيَّتِهم ألفاظٌ
وأمُورٌ اصْطَلَحُوا عَلَيْها وَهُم لاَ يَشعِرُونَ بِجَهلِهِم
كَأنَهُم فِي عَصْرِ الجاهِلِيَةِ الأولى قَبلَ الإسْلام حِينَ كانَت العَرب
تَتلفَظُ فِي تَحِيَّتِهم بَيْنَهُم (أنْعَمْتُم صَباحاً,
وأسْعَدتُم مَساءاً)
يَعتَقِدُونَ
بأنَ الصَباحَ فِي أوَل النَهارِ سْيَتَحصِلُ لَهُم مِنْ خَلالِهِ النِعَم, فإذا اسْتَمرُوا اليَوْمَ إلى المَساءِ مَنَعَمِينَ
بِهِ أشَعَرُوا بأنَ صَباحَ يَوْمَهُم عَلى خَيْرٍ, وَهذا باختِلافِ أُمَةٍ عَنْ
أُمَةٍ لَهُم تَحِيَةٌ مِنْ هذا الجِنْس مُخالِفِةً
لِلإسْلام كَوْن لَمْ يُذكَر اسْم الله فِيها كَصِفَةِ
المِلُوك لَهُم تَحِيَةٌ يَخِصُونَ بِها مِنْ
هَيئاتٍ مَا أنزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلطانٍ عِندَ دخُولِ الناسَ عَليهِم
يَنحَنُوا ركُوعاً ونَحوِّهُ خشُوعاً,,
فشَرَعَ
اللهُ السَلام تَحِيَة الإسْلام لأهْلِ الإسْلامِ وَالأمانِ, وَكانَت التَحِيَةُ عِندَهُم فِي عَهْدِ النَبيِّ
هِيَّ أوْلى مِنْ جَمِيعِ تَحياتِ الأُمَم مَا هِيَّ
إلاَّ مُحالٌ وَكِذبٌ التِي تَمْحُوا عَنهُم البَرَكات كَتحِيَةِ المُسْلِمينَ العَجَم يَقُولُونَ لِبَعضِهِم (هزا رساله ميمايي) يَعنِي أتَمَنى لَك
تَعِيش ألْف سَنةٍ, فالسَلامُ هُوَ كَلِمَةٌ سَمَحَت
لِلسانِ أنْ يُجَلِلَها لِيُخلِص بِها القَلب الواعِي بِنفُورِ الحِقدِ عَنْ أخِيهِ
إلى الإقبالِ الجَمِيل,
فَلاَ تَبْخِس
أخِيكَ بالسَلام, لأنَ البُخلَ بالسَلام أشَد مِنَ البُخلِ مِنَ المال,
فَمَا ظَنُكَ إذا أبخَلْتَ بصَدَقةٍ لاَ إنفاقَ فِيها وَلاَ غَرَم
فَماذا يَقُول عَنكَ الناس,,
حَسَناً إذا
كانَ السَلام يَدعَم المَصْلحَة وَيَعُم وقُوعِ المُعاوَنَةِ عَلى إقامَةِ سَيْرِ
الحَياةِ الهادِئَةِ التِي هِيَّ مِنْ أهَمِ عَوامِل تَرابِط الشِعُوب فِي قُوَةِ
أُمَةِ الإسْلام وَإخزاءِ الحاقِدين, لأنَ السَلام أَمانُ الله فِي الأرْض,,
فالسَلامُ واحِدٌ لاَ يَخِصُ أحَدٌ بهِ مِنكُم أحَداً تَكَبُراً
أوْ تَصَنُعاً بَلْ جَعَلَهُ الله بَينَكُم تَعظِيماً لِشَعارِ الإسْلام والحِفاظُ
عَلى بَيْضَتِه, فإذا أدَيتَهُ عَلى مَنْ تَعرِفَهُ وَمَن لَمْ تَعرِفَهُ فَهُوَ
الثناءُ الجَمِيل كَما هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعالى فِي الصافاتِ قالَ (سَلـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ)(سُورَة الصافات آيَة:109)
4ــ
حُكْمُ السَلام فِيهِ دَليلٌ عَلى
تَأكِيدِهِ مِمَا كُلِفَ بهِ آدَم عَليهِ السَلام ثُمَ لَمْ يُنسَخ بِهِ فِي
شَريعَتِهِ, فَإذا كانَ السَلامُ هُوَ
تَحيَةُ آدَم وَتَحِية ذُريَتَهُ مِنْ بَعدِهِ فَمَا الحِكْمَة التِي جَعَلتهُ
لَمْ يُنْسَخ فِي شَرائِعِ الأنبياءِ مَعمُولاً بِهِ فِي الأمُمِ عَلى اخْتِلافِ شَرائِعِها إلى أنْ انتَهى
تَصْدِقَهُ إلى نَبيِّنا مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَليهِ
وَآلِهِ, فأمَرَ اللهُ بهِ وَبإفشائِهِ وَجَعَلهُ
سَبَباً لِلمَحَبةِ وَالأمانِ إلاَّ مَا هُوَ أكْمَلُ وَأحسَنُ كَمَا يُسْتَحسَن
ثَوابَهُ بِدِخُولِ الجَنَة,,
لأنَ
العِلِيَةَ فِي السَلام هُوَ المَصْدَرُ لِحَياةِ العِبادِ يُحيِّيهُم مِنْ كُلِّ
مَكرُوهٍ, وَمَعناهُ فِي اللُغَةِ: الدُعاء بالحَياة, وَلِهذا لَمْ يُنْسَخ السَلام
فِي الأُمَمِ السابِقَة كانَت سافِكَة لِلدِماء لَمْ يَنسَقَهُم دِيناً كَونِهِم
بَيْنَ الجَبابِرَةِ وَالمُشْركِين,,
السَلامُ
بِعَشْرِ حَسَناتٍ وَبِثلاثِ جُمَلٍ، فَلِمَنْ جاءَ بهِ كامِلاً ثَلاثُون كَما قالَ
رَبُكَ (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
حَسِيبًا)
الأولى (السَلامُ عَليْكُم)
بِعَشرَةٍ, الثانِيَة (السَلامُ
عَليْكُم وَحمَةُ الله) بِعشْرينَ, الثالِثة (السَلامُ عَليْكُم وَرَحمَةُ الله وبَرَكاتُه) بِثلاثِين, لأنَ السَلام مِنَ الأعمالِ التِي جاءَت مِنَ الكِتابِ
والسُنَةِ بِبَيانِ مَشْرُوعِيَتِهِِ وَاسْتِحبابِهِ اللَّذان يُكْمِلان الآداب
وَشعاراً لِلمُسلِمِينَ,, فَمَا مِنْ مُسْلِمَينِ يَلْتَقِيانِ وَيَتَصافَحانِ
إلاَّ وَغَفرَ اللهُ لَهُما قَبْلَ أنْ يُغادِران,,
(آدابُ
السَلام يَتَناسَب مَعَ العُرف قَبْلَ السُؤالِ
وَالكَلام)
مِنْ
شِرُوطِ التَحِيَة أنْ يَكُونَ التَسْلِيمُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ يَسْمَعَهُ اليَقظان
وَلاَ يَنزَعِجُ مِنهُ النائِم هذا هُوَ الشِعارُ
الظاهِرُ بَيْنَ المُسْلِمِين إذا سَلَمَ أحدَهُم أنْ لاَ يَخُصَ بهِ فِئَةً دُونَ
أخْرى, أوْ قَريباً دُونَ بَعيدٍ، أو كَبِيراً دُونَ صَغِيرِ وَلاَ عالِماً دُونَ
جاهِلٍ, فلْيَبْدأُ الصِغِير وَالقَلِيل وَالراكِب بِالسَلام آداباًً: فإذا تَقابَلَ رَجُلٌ أوْ امَرأةٌ مَعَ أكَثَرِ مِنْ رَجُلٍ, وامْرَأةٌ
أكْثر مِنْ امْرَأةٍ, سَلَمَ الرَجُلُ عَلَيهِم, وَسَلَمَت المَرأةُ عَلى النِساءِ,
أوْ مَجْمُوعَةٌ مَعَ مَجْمُوعَةٍ أكثرُ عدَداً فَعَلى المَجْمُوعَة الأقَل أنْ
يَبدَؤُوا بالسَلام, كَذلِكَ يَبْدَأ الراكِب بالسَلام عَلى الماشِي وَلاَ
يَتَحَدَد بَينَهُما السِنْ، وَيَبْدأ الماشِي عَلى القائِم، وَالقائِمُ على
القاعِد,،
إنتَهى
تَفسِير السَلام, فسَرَهُ العَلامَة الشَيخ الحَجاري
الرُمَيثِي