الشيخ الحجاري
عدد المساهمات : 534 نقاط : 1520 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 27/02/2008 العمر : 68
| موضوع: تفسير العلامة الشيخ الحجاري الرميثي للحلقة 43 و44 لقصة يوسف ع الخميس يوليو 16, 2015 2:52 am | |
|
الجِزْءُ الخامِس عَشَر الأخِير (أوْلادُ يَعقُوبَ التِسْعَةَ يَدخِلُونَ مَصْـرَ يُفَتِشُونَ عَـنْ يُوسُف) وَجاءَ أوْلاد يَعقُوب التِسْعَةَ: وَقالـُوا يا أبانَّا كُفَ عَنْ هـذِهِ الزَفراتِ التِي سَوْفَ تَلْقِي بِكَ المَوْت, قالَ أخْرْجُوا عَنِّي وَلاَ تَعُودُوا إلَيَّ حَتى تَضْرِبُوا فِي الأرضِ مُتَحسِّسِينَ (مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنَ في قَلْـبِ يَعقوب بَصِيرَةٌ تُحَدِثـُهُ عَـنْ يُوسُفَ إنَـهُ حَيٌ في عِلْـمِ يَقينِه وَحِـينَ سُألـُوه أوْلادَهُ كَيْفَ عَلِمْتَ أنَ يُوسُفَ حَـياً: قالَ سَلامُ اللـَّهِ عَلَيْهِ إنَ رُؤْيَةَ يُوسُف لَمْ تَتَحَقَقُ بَعَـد حَتى يَتـُم السِجُود لأنَني لَـمْ أسْجِدُ إلَيْـهِ حِينَ قالَ لِي وَلَدي (يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَـدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِـي سَاجِدِيـنَ) وَأمَـرَ يَعقـُوب أوْلادَهُ التِسْعَـةَ أنْ يَلْقـُوا عَصاهُـم بمِصْرَ يَحمِلُونَ رِسالَةَ أَباهُم لِعَزيزِ مِصْـرَ,, فأخَذوا طَريقَهُم يُظاهِرُونَ أحادِيثَ أباهُم فِي أعماقِ نِفُوسِهِم وَيُداخِلُونَهُ بَيْنَ جَوانِحِهِم وَأسْرارِهِم فَتَخالَطتْ ذِكْرَياتِ يُوسُفَ فِي عِقُولِهِم عَندَ تَعاقِبِ تِلْكَ السِنِينَ: فَهَبَطـُوا مِصْرَ وَآمالَهُم بَيْنَ الخَيبَةِ وَالرجاءِ وَهُم لاَ يَشعِرُونَ, قالُوا أيُها العزيزُ لَقدْ أرَهَقتنَّا الذِلَّة وَأُحِيطَ بِنَّا ألانكِسارُ بَعدُ أنْ تَوارَثَتنَّا الأحزانُ وَتَقاذفَتنا الأقدارُ, فإرادَتـُنا أنْ نَقِفَ بَـيْنَ يَدَيكَ مَوقِـفَ الضَراعَةِ وَالاسْتكانَةِ, فإنْ شِئتَ أنْ تَرحَمَنَّا بِمَا يُقِيـمَ الأََوَد لِنَلْتَمِسُ مِنكَ أنْ تَرحَمَنَّا بأخِينَّا بِنيامِينَ لَقـَدْ تَرَكْنـَّا أبانَّـا شَـيْخاً كَبيـراً يَطْمَـعُ إليــهِ المُثِـلِِ ألأعلـى مِـنَ ألإيــمان بِالقَضاءِ وَالصَبْرِ عَلى ألألْواءِِ, وهُوَ يَتَوَجَعُ مِنْ آلامِهِ ويَصِيح مِنْ أثـَرِ أحزانِهِ (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَـيْنَاهُ مِنَ الْحُـزْنِ فَهُـوَ كَظِيـمٌ) فَسَلَمُوهُ رِسالَةَ أبيهِم: وَقالُوا أيُها العَزيزُ لَقـَدْ جَاءَكَ مِنْ نَـبَأِ المُرسَلِينَ رَسُول رَبِّ العالَمِين يَعقوبَ النَبِّي بنَ إسحاقَ بنَ إبراهيمَ الخَلِيل,, فَقالَ لِمالِكِ بن ذعَر أتلِيها عَلَيْنَّا, وَقالَ: نَصُ الرِسالَةَ؟؟ بسْمِهِ تَعالى وَعلى المِلَةِ التِي اتَخَذَها إبْراهِيمُ دِيِـناً حَـنِيفاً: مِـنْ يَعقوب النَبِّيِ إلى عَزيزِ مِصْرَ يُزارسِيف,, لَقـَدْ ابْتلى جَدُنـا إبْراهِيمَ رَبُـهُ بـَلاءً حَسَناً فَجَعلَ مِنْ نارِهِ بَرْداً وَسَلاماً قالَ سَلامٌ مِنْ رَبـِنَّا ورَحْمَةً لِلعالَمِين ثمَ ابَتلاهُ اللهُ بابْنهِ إسْماعِيلَ قرْباناً لَهُ وَفَداهُ رَبُهُ بكَبْشِ عَظِيمٍ وَمَا يَلْقاهُ إلاَ الذِي صَبَرَ وَمَا يَلْقاهُ إلاَّ ذُو حَـظٍ عَظِيمٍ, كَذلِكَ ابتَلانَّا اللهُ بِيُوسُفَ إنْ هُـوَ إلا بَـلاءٌ مِـنْ وَراءِ الغِيُـوبِ وَمَا قَـَضاءَهُ إلاَّ فِـي ذلِكَ لآيـاتٍ لِقـَـوْمٍ يَتَفَكَرُون, ذلِكَ يُوسُفُ الصِدِيقُ المُبْتَلى قَبْلَ بلُوغِهِ بِتِسْعِ سِنِينٍ تآمَرُوا عَليْهِ أخوَةٌ لَـهُ مِنْ أبيهِ لِيَقتِلُوه وَجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ أباهُم عِشاءً بـِدَمِ شاةٍ يَصْطَنِعُونَ البُكاءَ ظـَّناً بأنَفُسِهِم قَـَدْ أكَلَهُ الذئْبُ فاللـَّهُ خَـيْرٌ حافِـظاً لِيُوسُفَ عِندَهُ إنَهُ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشاءُ وَهُوَ أرْحَمُ الراحِمِين,, وَمَا أسْألُكَ عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ لِنَبيِّ مُتَوَجَعٍ مِنْ جِراحاتِ وَلدِهِ بِنيامِينَ التي لَـمْ تَندَمِـل في كَبْـدِهِ, وَدِمُـوعَ عَينَيـهِ التي لَـمْ تَنقَطِـع مِـنْ شِجُونِهِ فَأرْسِلْهُ أيُها العَزيزُ مَعَ أخوَتِهِ وَلاَ تَتَوَّلى مِنْ ذلِكَ مُعرِضاً فَمَنْ تَوَّلى عَنْ أنبياءِ اللهِ فأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ,, فَبَكى يُوسُفُ عِندَها عَلى أبيهِ, وَمَا كانَ في قَلْبِهِ بُعداً لِفراقِِهِ إلاَّ مَا حالَ اللهُ بَينَهُ وَبَيْنَ أبيهِ ذلِكَ مِنْ أنْباءِ الغَيبِ يُوْحِي بِها اللهُ لِقوْمٍِ يُؤمِنُون,, فأجابهُـم يُوسُـفُ قائِـلاً (هَـلْ عَلِمْتـُمْ مَا فَعَلْتـُمْ بِيُوسُـفَ وَأَخِـيهِ إِذْ أَنْتـُـمْ جَاهِلُونَ) قالُوا أيُها العَزيزُ نَحنُ مِنْ قَوْمٍ لا نَلْبِسُ الحَقَّ بالباطِلِ وَنكْتِمَهُ حَتى تَقذِفـُنا بالجَهْلِ بَعدُ أنْ كُنَّا وَراءِ الحَقِّ عَلى الهُدى مُتَفقِهِين,, قالَ بَـلْ أنتـُم لَسْتُ مِنْ أهلِنَّا تَحْمِلُونَ الآباءَ عَلى الجَهْلِ بإفراطِكُم حِفْظاً لِقلُوبِكُـم عَلـى الإسـاءَةِ وَلَئِـنْ مَسَكُـم العَـذابُ لَتَقوُلَـنَ يا وَيلَـنَّا إنَّـا كُــنَّا مُجْرمِينَ,, ألَسْتُم برَبِكُم هُـوَ الـذِي أكْبَدَكُم بَعـدَ أنْ بَطـَرَتْ مَعِيشَتَكُم وَشاءَ بِكُـم إلى عَزيزِ مِصْـرَ مِنْ حَـيْثُ لاَ تَشْعرُون, بَلى هُوَ اللـَّهُ العالِمُ بِما تَخْفُونَ فِي صِدُورِكُم وَمَا تَبْدُوهُ مِنْ جُـرْمٍ تَظنُوهُ نَصْراً لَكُم بِقَتـْلِ أخِيكُـم وَتَقولـُونَ مَتى وَعدُ الحَقّ الذِي يَخْلُ لَنَّـا بِـهِ وَجْـهُ أبينَّا فانْظِرُوا اليَومَ الذِي كَيْفَ كانَ فِيهِ عاقِبَةُ المُتَكَبِرين,, أفَمَا تِلكَ الأيامُ التي يُداوِلُها اللهُ بَينَكُم لِتَعلَمُوا اليَوْمَ رسالَةَ أبِيكُم مَا مِنْ فَضْلٍ لَكُم عِندَهُ بَلْ يَراكُم قَوْماً كاذِبينَ,, هـذا هُوَ اليَوْمُ الذِي اقتَرَبَ فِيهِ الوَعدُ الحَـقّ وَأنتـُم شاخِصَةٌ أبْصارَكُم بَـيْنَ قَـَوْمٍ لا يُؤمِنـُونَ باللـَّهِ فَمَا جَزاءَكُم إذ كُنتـُم خاطِئِين,, كَيْفَ يَشاءُ لَكُم أنْ تَقتِلـُوا أنفُسَكُم لِتَجرَحُوا قَلْبَ أبيكُم وَهُـوَ يَتَوجَعُ ويَتَوَلولُ في سِنْيَتِه وَأنتُم مِنْ حَوْلِهِ تَمْرَحُون,, كَيْفَ زُيِّنَ لَكُم الهَوى أنْ تَكِيدُوا بِيُوسُفَ فَتَلْقـُوهُ فِي غَيابَـةِ الجُـبِّ الذِي يَبعِدُ عَن قِرى يَعقوبَ أمْيالاً وَأنتُم بَيْنَ هُدى رَسُولِ رَبِّ العالَمِين, ألَيْسَ هُـوَ الذِي يَتَوَسْلُ إليْكُـم وَيَتَشَفَعُ بِكُـم فَلَـم تَقبَلـُوا شَفاعَتَهُ وَلَـنْ تَسْتََرِقَ قلوبَكُم لَهُ وهُوَ يَتَوَجَعُ بآلامِهِ مِن أثَـَرِ ذلِكَ المَّدرُ الذِي أسْقَطتِمُوه عَلى أمِ رَأسِهِ فاسْتَكْبَرتُم عَلَيْهِ وَأنتُم عَلى شَفا البِئْرِ تَضْحَكُون,, وَمِنْ وَثُمَ اصْطَنعتُم البُكاءَ ظـَّناً بأخِيكُم لِيَخْلُ لَكُـمْ وَجْـهُ أبيكُمْ فَعَلِمََ مِنكُم مَا لَمْ تَعلَمُونَ بِمكْرِكُم فَجَعَلَ مِنْ دُونِهِ مَكْرُ اللهِ فَوْقَ كَيْدِ الماكِرينَ,, وَكَذلِكَ عَدَوْتـُم وَتَعَمَدتـُم أنْ تَصْنَعُوا مَـعَ أخِيـهِ بِنيامِينَ صِنـُوفَ الحِـيَلِ وَالإيذاءِ وَلَمْ تَأخِذَكُم فِيهِ رَحمَةً فأنذَرَكُم أباكُم يَعقُوب بِغَضَبِ رَبِّهِ لَعلَكُم تَسْتَغفِرُونَ,, أوَلَسْتُم غَـيْرُ نادِمِينَ عَـنْ كَثِيـرٍ مَا يَصْفحُ لَكُم أخِيكُم بِلـُطْفِهِ عَنْ زَلَتِـكُم وَيَعفُو عَن خَطاياكُم وَأنتـُم بِـهِ لَمِّنَ الظالِمِينَ,, وَلَئِنْ آتَيْتُم الذِينَ أُوتـُوا الحَقََّ بِكُلِّ آيَةٍ لآمَنْتُم مَعَ الذِينَ آمَنـُوا لأوْفاكُمُ اللـَّهُ أجُورَكُم وَاللـَّهُ وَلِيُ المُؤمِنِينَ, ثمَ تَوَلَيْتُم مِنْ بَعدِ إيمانِكُم فَطَوَعَتْ لَكُم أنفُسَكُم أمْراً فِي إبعادِ أخِيكُم يُوسُفَ فأصْبَحتُم مِنْ بََعدِهِ قَوْماً خاسِرين, فَمَنْ أوْقعَ مُؤمِناً بأذىً فعَلَيْهِ إثْمُهُ فَهُوَ مِعَ الذِينَ لَعَنَهُم اللهُ ويَلْعَنَهُمُ اللاعِنُون,, فإنْ تُبتُم يُؤتِكُم اللهُ أجْراً حَسَناً وإنْ عَصَيْتُم فَاعلَمُوا إنَكُم لا يُزَكِيَكُم الله حِفْظاً لِسَيِّئاتِكُم فَلَكُم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيم بِمَا كُنتُم عَلى التَوْبَةِ تَسْتَكبرُون,, وَإنْ كُنتُم فِي رَيْبٍٍ مِنْ قَولِنَّا فَأوْفـُوا لَنَّا مَا فِي نِفُوسِكُم لِتَعلَمُونَّا إنَ كانَ وَعدَ اللهُ فِيكُم حَقٌ فهاتُوا بُرهانَكُم إنْ كُنتُم صادِقِين,, قالُوا إنَ ذلِكَ الذِي أفادَ بِهِ مِنَ الكِذبِ إلاَ مَا عَدَدَهُ لَكُم أخِينَّا بِنيامِينَ فإنَهُ قَـَدْ كانَ لَنَّا عَدواً مُبِّين,, إذ قالَ يُوسُفُ لإخوَتِهِ أنَ لِكُلِّ كِذبٍ لَدَيْكُم بِمَا يُحِطُنَّا بِهِ خُبْرا وَاللهُ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٍ,, قالُوا أيُها العَزيزُ: كَيْفَ عَلِمْتَ بـِنَّا مِنْ كُلِّ شَيءٍ بِمَا يُحِطُكَ عَنَّا خَـبَرٌ,, وَشَهِدَ مالِكُ بنُ ذعَـر الذِي اشْتَرى يُوسُفَ بِبَخَسِ دَراهِـمٍ مَعدُودَةٍ: قالَ إنَكُـم ألزَمْتِمُونِّي أنْ لاَ أنَتَقِـضَ البَيْعَ بَعَـدَ تَوْكِيـدِهِ حَتى أذهَـبَ بِيُوسُفَ بَعِيداً عَنْ أرْضِ كَنعانَ وَقـدْ كُنتُ فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ,, قالُوا أيُها العَزيزُ إنَـهُ عَبْدٌ شِريـرٌ لاَ يُطِيعُ أبانَّا قََـَد أَبِقَ مِـنَّا وَسَقـَطَ فِي البِئْرِ فَبِعناهُ لِمالِك بِعشْرينَ دُرْهَماً وَكُنَّا لإِبعادِهِ كارهِين,, وَقالَ يُوسُفُ بَلْ سَوَلَتْ لَكُم أنفُسَكُم شَراً وَمَا كانَ ذلِكَ العَبْدُ إلاَّ رَحمَةً لِلعالَمِين,, وَقامَت زُلَيْخَة لِتُكْمِلَ لَهُم الحَدِيثُ لَعَلَهُم يَعتَرفون: وَقالَت قـُتِيفار عَزيزُ مِصْرَ قامَ بِشِراءِ يُوسُف مِـنْ سُـوقِ النَخاسِينَ بِثَلاثـَةِ آلافِ دِيـنارِ مِـنْ قِطَعِ الذَهَبِ وَرَأى فِي نَفسِهِ أنْ يُهْدِيَّ يُوسُف إلى زَوجَتِهِ زُلَيْخَةَ, وَأنَّـا زُلَيْخَةَ كُنتُ مَولاةٌ لِيُوسُفَ سَنواتٍ حَتى أُكْتَمَلَ عُودَهُ فِي قَصْري وَتَرَبَّى فِي أحضانِّي, وَلكِنَنِّي أوْقَعتَهُ فِي مُصِيبَةٍ وَدَبَرْتُ لَهُ المَكايِّدَ وَرَمَيْتَهُ فِي السِّجْنِ عَشْرةُ سِنِينٍ فَعَفا عَنِّ زَلَتِّي وَاللهُ خَيْرُ الغافِرين,, ثمَ وَقَفَ ساقِي المَلِك وَقالَ: لَقَدَ رَأى مَلِكُ مِصْرَ الحاكِمُ العَظِيم اخْناتُون فِي مَنامِهِ رُؤْيَةً عَجَزَ عَنْ تَعبيرِها كُلُّ مُفَسِرينَ كَهَنَة آمُونَ وَكُنتُ أعلَمُ أنَ يُوسُفَ الصِديق مُعَـبِرٌ عَظِيمٌ إذ رَأيْتُ مَناماً فِي السِّجْنِ وَقـَد فَسَـرَهُ لِي بِخَيْرِ وَفَسَرَ مَنامَ صاحِبِّي فَناَلَ جَزاءَهُ بِحكُمِ الحاكِمَ بصَّلْبِهِ أمامَ كُـلَّ عَيْنٍ فَقَصَصْتُ لِيُوسُفَ رُؤْيَةَ حاكِم مِصْرَ اخْناتُون فَفَسَّرَها لِي بأحسَنِ تَأوِّيلٍ,, ثـُمَ تَقَدَمَ قائِـدُ حراسَ السِّجْنِ وَقالَ لَهُم: لَقَد كانَ تَعبِيرُ يُوسُف مِنْ مَـنامِ الحاكِـمِ اخْناتـُون فَكانَـت سَـبَباً مُهِماً فِـي خَـلاصِ يُوسُـف مِـنْ السِّـجْنِ فَضَّمَهُ المَلِك فِي مَمْلَكَتِهِ حاكِـماً فَتَسَبَبَت مَهاراتَهُ فِي نَجاةِ أهْـلَ مِصْـرَ وَخَلاصَهُم مِنْ القَحطِ وَالهَلاكِ وَرُقّ العِبُودِيَةِ,, ثمَ تَقَدَمَت زَوْجَةُ يُوسُف وَقالَت لَهُم: النَبِّيُ الصِديقُ يُوسُفُ هُوَ زَوْجِي الآن وَمَناسَ وَأفراثِيمَ هُمَا وَلَدانَا,, فَبَكِيَّ يُوسُف وَكَشَفَ عَنْ نَفسِهِ لَهُم بِدِمُوعِهِ فَعرَفوهُ عَلى هذِهِ الإشارَة فَقالَ كَبيرَهُم يَهُـوذا إذاً أنَـتَ لَيُوسُف؟؟ فَسَكِتَ, فَأخَـذوا يَنْظِـرُونَ إلَيْـهِ فَتَخالَجَهُم الشَكُ فِي أمْرهِ وَداخَلَهُم الظَّنُ فِي حَقِيِقَتِهِ حَتى أوْضَحَ الرَيْبُ لَهُم عَنْ حالِهِ وَإذا هُمْ عَنْ غَفلَتِهِم يَبْصِرُونَ,, قالُوا إذاً (أَإِنّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَـَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْـرَ الْمُحْسِنِينَ) لَّما عَلِمُوا بأنَهُ يُوسُفُ الحاكِمُ العَزيـزُ اضْطَربَت مَشاعِرَهُم, وَامتَقـُعَت ألوانََهُم فتَمََنـُوا لأنفسِهِم نَفَقـاً فِي الأرضِ يَنشَـقُ ويَبْلَعَهُم وَكَأنَهُم لاَّ سَمِعُوا مِـنْ حِينِـهِ وَلاَّ هُم يَنظِرُون,, قالَ يُوسُفُ مَا بالِكُم ذُلِلْتـُم فِيمَا أقولُ لكُم مِنْ خَـبَرٍٍ فاجِعٍ وَنَـبأٍ مُرْوعٍ إذ أنتُم قَوْماً مُذنِبين, وَهَلْ أنَ خَـبَري إليْكُم يُفسِـدُ مِنْ شِخْصِكُم أو يُهزْهِزَ مِنْ جَهْلِكُم فبئْسَمَا يِأمْرُكُم بِهِِ إسْلامَكُم إنْ كُنتُم مُؤمِنِينَ,, أوَلَيْسَ هذا بِمَا اسْتَعجَلْتـُم بالسَيِّئَةِ ثـُمَ تَجَنيْتُم فِي إبعادِ أخِيكُم عَنْ أبيـهِ وَأنتُم لاَ تَرحَمُون,, فتُوبُوا وَاسْتَغفرُوا رَبُّكُم حَتى يَأتِيَّ أمْرَهُ بِكُم إنَ اللهَ للِتَوابينَ غَفُورٌ رَحِيم,, إنْ تَعتَذِرُوا إلى اللـَّهِ لَقدْ كَفرْتـُم بَعدَ إيمانِكُم إنْ يَعْفُو عَنكُم حَتى لا يَرُدَّكُم اللهُ بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ,, قالُوا (لَقَدْ آثَرَكَ اللـَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) ثُمَ لَـوْ إنَنَّا تَذَوَقنَّا السُوءَ بِجَهالَةٍ لأُحِيطَّتْ الَتَوْبَةَ فِي نِفـُوسِنَّا قدُماً قَبْلَ ثبُوتِها إنَّـا إذاً لَظالِمُون,, أوَلَيـْسَ نَحنُ أشَـدُ مِنكَ قـُوَةً وَأكْثَرُ جَمْعاً وَحُـنكَةً لا نَسْألُ بالأمْسِ عَـنْ خَطايانَّا واليَـوْم يَبْلِسُ أمامَكَ المُذنِبُون,, ذلِكَ يُبيِّنُ اللـَّه الْحَـقَّ وَيُزْهِقَ الْبَاطِلَ لِيُنذرَ بِهِ قوْماً وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ, الحَمْدُ للـَّهِ الذِي آثـَرَكَ عَلَيْنَّا وهَدانَّا بِكَ لِتََصْفَحَ عَنْ خَطايانَّا وَآخِرُ دَعوانَّا أَن ِالحَمْدُ وَالشِكُرُ للهِ الذِي أطْلَعَكَ عَلَيْنَّا وَناصَرَ المُحسِنينَ,, يا أخانَّا أطْلبْ العَفوَ لَنَّـا عِندَ رِبِّكَ وَسْتَغفِرَنَّا حَتى يَتبَيَّنَ لَكَ صِدقَنَّا فَنِعمَ أجْرُ الغافِرينَ, إنَنَّا قَـَدْ تـُبْنَّا إلى اللهِ لِيَدْرأَ عَنَّا العَذابَ فعِندَها نَجْعَلُ لَعنَةُ اللهِ عَلى الكاذِبينَ, ذلِكَ مِيثاقنَّا وعَهْدُنَّا إلى اللهِ وَمَنْ يَنكُثَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعدِ مِيثاقِهِ فِي الأرضِ فَهُوَ لَمِّنَ الخاسِرينَ,, لكِنَ قلْبَ يُوسُف هُـوَ أرَقٌ مِنْ قلْبِ أبيهِ يَعقوب, وَهذا مِن دَلائِلِ القرآن الكَريم ذلِكَ يُوسُف الشابُ العَفِيفُ الطاهِـرُ الذِي اصْطفاهُ اللـَّه لِرسالتِهِ أوَلُ مَنْ بادَرَ إلى العَفـْوِّ عَنْ حَقِِـهِ اتِجاه إخوَتِـهِ العَشْرَةَ مِنْ أبيـهِ الذِينَ تآمَرُوا بقتلِهِ حِينَ رَمُوهُ فِي غَيابِ الجُبِّ, وَلمْ يَستَكْبرَ عَلَيْهِم, فبادَرهُم إلى العَفـْوِّ عَنْ حَقِـهِ مِنْ حَيثُ لاَ يَطْمَعُ فِي مَغنـَمٍ: أوْ تتَطَلَـع نفسُـهُ إلى رِِئاسَةٍ, أوْ يَطلُبَ جَزاءٌ بِهِم عَمَا فَعَلـُوا بـهِ مِـنْ جُـرْمٍ, فبادَرَهُم بالعَفـْوِّ وَالمَغفرَةِ حَتى (قَـالَ لا تَثرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَـوْمَ يَغْفِـرُ اللَّهُ لَكُـمْ وَهُـوَ أَرْحَـمُ الرَّاحِمِينَ) فلاَ لَوْمٌ وَلاَ عُقوبَةٌ عَلََيْكُم بتِلكَ إجْرامِكمُ عليََّ, وَأرادَ يَوسُفُ أن يُبادِرَهُم بأنهُ أعَزُ نَفساً وَأكرمَهُم قلْباً وَأدنَّى إلى اللهِ إيماناً فاطْمَئنُوا مِنْ أخِيهِم إنـهُ هُـوَ الشابُ الذِي يَسْعى فِي خَيْرهِم, وَلاَ يَضْمِرُ فِي قلْبِهِ سُوءاً لَهُم, وَلاَ يُريدُ بهِم شَراً, فأخَذَتهُم عَبْرَةٌ مِنَ الأسى وَنالَتهُم حِرقَةٌ مِنَ النـَدَمِ, فالتَمَسُوا مِنهُ البَيِّنَةَ لِغفرانِهِم, وَاللهُ لِمَّنْ دَعاهُ قرِيبٌ, وَلِمَّن سَألهُ مُجِيبٌ, ولِمَّن أتابَ عَلَيهِ سَمِيعٌ,, إذاً يُوسُفُ فِي قلْبِهِ حَمِيَةٌ وَرِقـَةٌ لإخْوانِـهِ, وَكَمَا هُـوَ الأمْـرُ ثِقتـُهُ بأبيـهِ وَطِيدَةٌ شدِيدَةٌ وَصِلتَهُ بهِ وَثِيقَةٌ, ذلِكَ يُوسُف الذِي لـَمْ تُزَعزِعَهُ النَكَبات وَلَمْ تُزَلْزِلَهُ الحَوادِث, يُوسُف مِنْ تَلكَ الغَيبَةِ الطَويلَّةِ التِي كتَبَها القرآنُ وَهُوَ قَصِيٌ عَنْ أهْلِهِ وَوَطَنِهِ مَا كانَ فِي قلْبِهِ أنْ يَكُونَ فِراقٌ يُكاد يَكُونَ غَيبَةً إلا بإذنِ اللـَّهِ تَعالى, تِلكَ الغيبَةِ التِي أنكَشَفَ عَـنْ مَكْنـُونِها قِـناعٌ وَبَِرِقَ فِي سَمائِها أمَلٌ وَأُضِيءَ فِي أُفِقِها كَوْكَبٌ لَماعٌ, وَمِنْ تِلكَ الغيبَةِ الطَوِّيلَةِ تَعَلقـَت أنظارَهُ لِرُؤْيَـةِ أبيـهِ يَعقوب, ذلِكَ يُوسُف المُنبَعِثُ عَـنْ نَفسٍ خَبيرَةٍ بَصِيرَةٍ حِـينَ تَحسَسَ مِنْ حَوْلِهِ أخوَتِه وَأبيهِ بِمْصرَ فَعرَفَ سِّرُ الأمْرِ الإلهِي, وَفَطِنَ إلى حَقِيقَةِ الحَال فَحَمَدَ اللهُ وَأثنى عَلَيْهِ وَخـَرَ لَـهُ راكِـعاً, وَجاهَـدَ نَفسَـهُ راغـِباً إلـى رَبِّـهِ الغـَفار فِي العَفـْوِّ وَالصَفـْحِ وَالغُفرانِ لإخْوَتِهِ العَشْرَة,, وَقالَ (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِـيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) وَهُوَ قَمِيصٌ مِنْ لِباسِ أهْلِ الجَنَةِ كَسا اللهُ بـهِ إبْراهِيمَ الخَلِيل حِيْنَ ألْقـاهُ النَمْرُود فِي النارِ، فَتَوارَثـَهُ إسْحاقَ مِنْ بَعـدِ إبْراهِيمَ ثُمَ بَنُوه حَتى كانَ عِندَ يَعقوب فَوَضَعَهُ يَعقوب تَحتَ ثِيابِ يُوسُف مَخافَةَ العَيْنِ حِينَ خَرَجَ مَعَ أخوَتِهِ إلى المَرعِى وَأخْرَجَهُ مِنَ الجُبِّ,, وَسَبَقَ لِيَعقوب قََـَد مََّـرَرَ بالجُبِّ الذِي فِيها يُوسُف وَلَـمْ يَشُـم رِيحَ وَلَـدِهِ لأنَهُ لَـمْ يَكُـنْ يَوْمَها يُـدرِكَ مَـقامَ الوِّلايَـةِ وَمَنزلَتَها كَإدراكِهِ اليَـوْم: لأنَ يُوسُفَ لَـهُ الوِّلايَـةُ عَلى أبيـهِ فَأمْكَنَ قَمِيصَهُ أنْ يُشْفِيَّ العِلَـةُ عَنْ أبيـهِ وَيُرِدَ بِهِ بَصَرَهُ؟؟ وَإذا بِيَعقوب واقِفٌ عَلى ثَنِيَـةٍ مِـنْ دارهِ يَصِيحُ بأعلىَ صَوْتِـهِ إنِّي أشُـمُ ريحَ يُوسُف مِنذُ عَشْرَةِ أيامٍ وَإنْ رَمَيتِمُوني بالجِنُونِ سَأبْقى وَأكْررُ لَكُم إنِّي أشُمُ ريحَ وَلَدِي وَقُرَةَ عَينِي يُوسُف,, قالُوا إنَكَ حَقاً جُنِنت,, قالَ ألَيْسَ أقولُ لَكُم مِراراً أنَ جَدِي إبْراهِيم ضَحى بِوَلَدِهِ إسْماعِيلَ فَفَداهُ رَبُهُ بِكَبْشٍ عَظِيمٍ, وَهـا أنَّـا كَذلِكَ ضَحَيْتُ بِوَلدِي يُوسُفَ نَيْـفٌ وَثلاثونَ سَنَةً, فَلاَّبُـدَ أنْ يَجْمَعَ اللـَّهُ تَعالى بِيُوسُفَ اليَـوْم إلى أبيهِ المُتَوَجِع كَـمَّا جَمَعَ اللهُ إسْماعِيلَ لإبراهِيمَ خَلِيلُ الله,, سُبْحانَ اللهُ الذِي أظْهَرَ الحَّقُّ بعدَ اثنَي وَثلاثِينَ عاماً ثمَ سارُوا وَرَحَلَّت العِيرُ تَحمِلُ قَمِيصَ يُوسُف,, هـذا القمِيصُ الذِي يَحمِلُ البُشْرى, وَيُـرِّدَ عَلى يَعقوب نِعمَةَ البَصَّرِ وَالحَياةِ, فمَا كانَ فِي نَفـْسِ يَعقوب حاجَـةً إلاَّ وَقضاها اللهُ جَلَّ اسْمُهُ وَعَلا, وَإذا بيَعقوبٍ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ قدْ أَشَمَهُ اللهُ مَا عَبَـقُ فِي قمِيصِ يُوسُف عَـنْ مَسَيرَةِ أيـامٍ,, سُبْحانَ مَّـنْ جَعَـلَ رِيحُ يُوسُفَ عَلى بُعدِ أمْيالٍ كَمَا أَوْصَلَ عَرْشُ بلْقِيسٍ قبْلَ أنْ يَرْتَـدَ نَبِّيُ اللـَّهِ سُلَيْمانُ طَرْفَه,, وَجاءُوا بالبُشْرى وَوَضَعُوا بَينَ يَدَيـهِ قَمِيص يُوسُف فَبَكِيَّ وَقالَ لِعيالِهِ ألَـمْ أقلْ لَكُم مِراراً أنَ يُوسُفَ لَـهُ الوِّلايَةَ عَلى أبيهِ وَإنَهُ حَياً بحُفظِ اللـَّهِ كَمَّا إنِّي لاَ أعزِبُ عَنْ عُشْقِّي مِنْ وَلَدِي يُوسُفَ,, وَعَلِمَ يَعقُوب أنَ قَمِيصَ يُوسُفُ فِيـهِ رِيـحُ الجَّنَـةِ إذا ألْقاهُ عَلى وَجْهِـهِ كانَ بَصِيراً؟؟ فَوَضَعَ القمِيصُ عَلى وَجْهِهٍِ: وَقـالَ يا إلهِي: فَبَكِيَّ مَعَـهُ جَمِيع عِياله إلى أنْ خَلَعَـهُ عَنْ عَيْنَيهِ, فعادَ بَصَـرَهُ فِي حِينِهِ فَهُـم مِـنْ حَوْلِهِ فَرحِين,, ثـُمَ ارْتَحَلوا جَمِيعاً مِنْ دِيارهِم وَنَزلـُوا بِساحَةِ العَزيـز يُوسُف الصِديق كَمَّا وَرَدَّ بِحَقِهِم قـُرآناً (فَلَمَّا دَخَلـُوا عَلَى يُوسُفَ) بَعـدَ سَفَرِهِـم لِمِصْـرَ (آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أمِـهِ وَأبيـهِ وَضَمَهُمَا إلى صَدرهِ الشَريف وَأسْكنَهُما إلى قلْبِهِ العَطُوف (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ) الآيَة تَـدِلُ أنَ يُوسُفَ بادَرَ إخوَتَهُ بالصِّدقِ وَأعطاهُمُ الأمَنَ,, وَمِـنْ ثـُمَ أصْدَرَ لأَبيهِ يَعقُوب الحُكْمَ وَجَعَلَهُ على دَرَجَةِ المِلُُوكِ فِيمَا وافقَتهُ نفسُهُ بالمَشِيئَةِ التِي لاَ تُؤثِرُ عَلى مَشِيئَةِ اللـَّهِ تَعالى حِينَ صادَفتهُ بإحسانِهِ,, وَقوْلهُ عَزَّ وَجَّل قالَ (وَرَفَعَ أَبَوَيْـهِ عَلَى الْعَرْشِ) الذِي أوْهَبَهُ الله تَعالى لِيُوسُفَ جُبـَّةَ الوِّلايَـة, وَحِزامُ النبُوَةِ وَعَلى أثَرَهِمَا (وَخَرُّوا لَـهُ سُجَّداً) بَلْ: سَجَدُوا للهِ تَعالى حِينَ غَشَيْهُم ذلِكَ النـُور الإلِهي المُتَلألِئ فِي وَجْهِ يُوسُف مِمَا أعطاهُ رَبَّهُ الأعلى مِنَ الكَراماتِ وَالفَضائِلِ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الرِياسَةِ وَالجاه, وَاللـَّهُ ذو فَضْلٍ عَظِيمٍ عَلى العِبادِ وَإنَـهُ لاَ يُضِيعُ أجْـرَ المُؤمِنِينَ,, عِندَئذٍ التَفتوا الأخوَةَ العَشْرَةَ إلى أبيهِم (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) وَهذا يَدلُ على اعترافِنا بالخَطيئَةِ,, قالَ: أني لَسْتُ أمْـلِكُ مِن سَبيلِكُم شَـيئاً مِمَا اقتَرفتِمُوه مِنَ الذنـُوُبِ, وَلاَ أستَطيعُ لَكُم مِنَ عَذابِ اللهِ دَفعاً عَن سَيئاتِكُم وَلكِن (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّـي) فأمْهَلهُم يَعقوب عَلَيْهِ السَلام إلى يَوْمٍ مَعلـُومٍ وَلـَمْ يُبادِرَهُم عَلى العَفوِّ والاسْتِغفارِ: ذلِكَ كانَ قَصَدَهُ لَنْ يَسْتَغفِرَ لَهُم إذا لَـمْ تـُطِيب نَفـْس يُوسُف مِنْ أخوَتِهِ وَيَنْسى أثار الجَريَمةِ التِي ارْتَكبُوها ضِدَهُ,, إذاً فإنَ قلْـبَ يُوسُفُ هُـوَ أرَقٌ مِـنْ قلْـبِ أبيـهِ يَعقوب عَلى أخوَتِـهِ فِـي مُبادرَتِهِ بالعَفوِّ وَالتَنازل عَنْ حَقِهِ (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ) وَهـذا يَـدلُ عَلى خشُوعِكُم ساجِدِينَ للـَّهِ بَسَـببِ تِلكَ الرُؤيَـةِ التِي (قََدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَـقاً) وَجَعَلَنِّي فِي جُمْلَـةِ عِـبادِهِ الصالِحِـينَ, وَألْزَمَنِّي الحِجَةَ بهذا المُلْكُ العَظيم,, إن اللهَ لاَ يَترِكُ صَغِيرةً وَلاَّ كَبيرةً إلاَ أحصاها سُبْحانَهُ هُـوَ رَبِّي يُؤاخِذُ الناسَ جَـمِيعاً بأعمالِهِم عامَتَهُم وَأنبياؤَهُم: أنَـهُ لا يَـدعُ مُؤاخَـذةُ نبـِيِّ لِنبُوَتِهِ, وَلاَّ يَغفلُ عَنْ حَقِّ مَظلُومٍ أقعدَهُ ضِعفَهُ عَنْ بَسْطِ ظلُماتِهِ (وَقَـَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) الذِي لـَمْ أرى فِيـْهِ الشَمْسَ الطالِعَة وَلاَّ القمَرَ المُتلألئ,, ذلِكَ البَلاء الذِي دَفعَهُ الله عَنِّي وَبَدَلهُ عِزاً ومَنزلِةً وَجاهاً كَبيراً (وَجَاءَ بِكُـمْ مِـنَ الْبَـدْوِ مِنْ بَعْـدِ أَنْ نَـزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِـي وَبَـيْنَ إِخْوَتِي) الذِيـنَ تآمَرُوا عَليَّ لِيَقتِلُونَي (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) يا أبتِ إنَ تِلكَ البَلايا التِي أصابَتنِّي لاَ تَنحَّلُ حِبالُها إلاَ بلُطْفِهِ تََعالى إنَهُ هُوَ المُحِيطُ بباطِنِها مَهْمَا وَقعَتْ وَشَنَت (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) بَما قدَّرَ عَلَيَّ وهَدى إلى مَا جَرى, وَعَلَمَنِّي الحِكْمَةُ التِي هِيَّ عِبارَةٌ عَنْ مَعرفةِ أفضَلِ الأشْياءِ بأفضَـلِ العِلـُومِ, وَعلَّمَنِّي كَلاماً مُحْكَماً نافِـعاً يَمْنـَعُ مِـنَ الجَّهْلِ وَالسَّفـَهِ أريـدَ بِـهِ الموَاعِظَ وَالأمْثالَ التِي يَنْتَفِـعُ بِهَا الناسُ مِـنَ الحِكَمِ وَالعِلْمِ وَالفِقهِ وَالقضاءِ بالعَدلِ، يا أبَتِ إنَ الجَنةَ لا يَنْزِلُها إلاَ نَبيٌّ أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدٌ أوْ مُحَكَّمٌ فِي نَفْسِهِ, وَدَلِيلُ العَبد إذا تَواضَعَ رَفعَ اللهُ تَعالى حَكَمَتَهُ وَمَنعَهُ مِنَ الفَسادِ كَمَا عَلمَنِّي رَبِّي مِنْ العِلْمِ لَيْسَ مِنْ قبْلُ أيَسْبقَ بِـهِ أحَـدٌ إنـَهُ رَبِّـي المُعِـزُّ الذِي يَهِـبُ العِـزَّ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ الصالِحِينَ,, - اقتباس :
- يا أبتِ: يُعِزُّ عَليَّ أنْ أراكَ بحالٍ سَيِّئَةٍ, فَإنَ اللـَّهَ أكْرَمَنِّي بِكَ: وَأعطانِّي
هذا المُلْكُ العَظِيمُ فأنتَ اليَوم الحاكِمُ اليَقظُ على مِصْرَ وَأنَّا وَزيرُكَ عَلى خَزائِنِ الأرْضِ, تِلكَ آياتٌ مِـنْ عِنـْدِي رَبٍّ كَريـمٍ (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) حِينَ انتَهى يُوسُفُ مِن مَصافحَةِ أبيهِ رَفعَ يَدَيَـهُ إلى السَماءِ وَقالَ (رَبِّ قََـَدْ آتَيْتَنِي مِـنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيـلِ الْأَحَادِيثِ) زيـادَةً في شكْرِكَ, وَأنَّـا تَحتَ ولايَتِكَ ( أَنْـتَ وَلِيِّي فِي الدُّنـْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ,, (انتَهى تَفسِيرُ العَلامَة الشيخُ الحَجاري الرُميْثي) وَاللـَّهُ العالِمُ | |
|